• من نحن
  • إتصل بنا
  • أرسل خبراً
  • 

    حكايات في الحظ والنحس

                         حكايات في الحظ والنحس (1)


    لماذا لم أولد غنيا؟ .. لماذا لم أولد أميرا؟ .. لماذا لست وسيما؟ .. لماذا صوتي ليس كصوت عبد الحليم؟ .. لماذا صديقي فلان حاله أفضل مني؟ .. لماذا أتيت لهذه الدنيا أصلا؟! .. ألف لماذا ولماذا من هذا النوع تدور يوميا في خلد ملايين الناس حول العالم، البعض يقنع بما ناله على مضض، قناعة من لا حيلة له. والبعض راض بقسمته، رضا القلب والروح، وهؤلاء قلة .. غرباء على هذه الأرض .. من أهل السماء .. طوبى لهم. والبعض الآخر، الغالبية العظمى، يشكر بلسانه ويكفر بقلبه، يتقلب ألما وحسرة على فراشه، يضج ويصرخ طوال عمره، تكاد لعناته تقارب عنان السماء .. لماذا يا ربي؟ .. أهو سوء طالعي؟ .. هل أنا منحوس؟ .. هل أنا ملعون؟ .. هل أنا محسود؟ .. هل أنا مسحور؟ .. يظل يصرخ ويلعن حتى ينزلوه في قبره .. مسكين .. عاش ورحل من دون أن يفهم. وبصراحة شديدة، أنا أحد أولئك المساكين الذين لم يفهموا وما زالوا يرددون .. لماذا؟ .. ولهذا السبب بالذات عزمت أن اكتب لكم .. ولنفسي أولا .. هذه السلسلة من المقالات عن الحظ والنحس والقدر واللعنة والحسد والشؤم والقسمة والنصيب .. لعلي أفهم شيئا في النهاية .. وعسى أن أتوقف أخيرا عن ترديد كلمة .. لماذا؟.


    لماذا نصيب الناس من هذه الدنيا يختلف من شخص لآخر؟

    النحس هو سوء الطالع، وهو الشقاء والضر والشدة، وعكسه السعد، فيقال رجل منحوس إذا لازمه سوء الطالع، ونقيضه رجل مسعود أو محظوظ، إذا لازمه السعد. وللناس في النحس حكايات وطرائف وأمثال، فيقال : "المنحوس منحوس ولو وضعوا فوق رأسه فانوس" .. ويقال أيضا : "قلت للنحس أنا رايح أتفسح .. قال وراك وراك هو أنا مكسح"!!.

    الاعتقاد بالنحس ليس وليد عصرنا الحالي، فالناس أمنوا بالنحس منذ أقدم العصور، ولكل أمة من الأمم معتقداتها وخرافاتها في هذا الشأن. عرب الجاهلية مثلا كانوا يتشاءمون من الأعسر والأعور وذو العين الزرقاء. ولشدة اعتقادهم بالشؤم والنحس كانوا لا يخرجون لغزوة أو تجارة إلا مع قائد حسن الطالع ميمون النقيبة ويجتنبون السير في ركاب القائد الذي سبق أن تعرض للخسارة والهزيمة والانكسار. أما أنحس من عرفه العرب فهي امرأة تدعى البسوس تسببت ناقتها في نشوب حرب طاحنة ومريرة استمرت لسنوات طويلة بين قبيلتي بكر وتغلب. وفيها يضرب المثل : "أشأم من البسوس".

    هل هناك إنسان منحوس حقا؟

    بحسب المعتقدات الشعبية، فأن النحس قد يكون جزءا من طبيعة الإنسان ونابعا عن ذاته، فيقال رجل نحس وامرأة نحس، أي أن النحس من طبيعتهما، يرافقهما أينما حلا وارتحلا. وهي تهمة يتخوف الكثير من الناس منها، لأنها قد تؤدي إلى النبذ الاجتماعي بالنسبة للشخص الذي يوصم بهذه التهمة، فيصبح غير مرحب بحضوره في المناسبات الاجتماعية، وقد يحرم من الزواج أو العمل لا لشيء سوى للاعتقاد بأنه نحس. وهذه التهمة عادة ما تلصق بالأشخاص الذين تتكرر حدوث أمور سيئة في حضورهم، فمثلا إذا تزامن حدوث مشاكل في المنزل مع زيارة إحدى الجارات أو بعد مغادرتها بوقت قصير، فسيقال بأن قدم تلك الجارة نحس، وقد تنتشر سمعتها في المحلة كلها، فيجافيها الناس ولا يرحبون بها في منازلهم ولا يدعونها لمناسباتهم. وهذه بالطبع تهمة لا يمكن إثباتها أبدا، تهمة ظالمة، قد تكون مجرد افتراء ومكيدة خبيثة تهدف إلى تشويه سمعة شخص ما. أو قد تكون مجرد مصادفة، كما هو الحال مع الفتاة التي يموت خطيبها خلال فترة الخطوبة، فمثل هذه الفتاة قد توصم بالنحس وقد تجد صعوبة في الزواج مستقبلا.

    الاعتقاد بالنحس لا يقتصر على شريحة أو طبقة بذاتها من المجتمع. فليس من المستغرب أن يجد هذا الاعتقاد رواجا حتى لدى الأشخاص المتعلمين والمثقفين. أنا شخصيا أعرف أستاذ أكاديمي مثقف يرتعد خوفا من جارته التي يقول بأن عينها تحرق الأخضر واليابس، فتراه لا يشتري غرضا أو حاجة لمنزله إلا ويأتي به خلسة تحت جنح الظلام لكي لا تلمحه عيون جارته فتنحسه. وهذا النوع من الخوف، قد يتحول بمرور الزمن إلى شكل من أشكال الوسواس القهري فيؤثر على تصرفات وعلاقات الإنسان. والأسوأ من ذلك أن يظن الإنسان بأنه شخصيا منحوس، ولا اقصد هنا الظن العابر النابع عن الغضب والإحباط الذي يمر به أغلب الناس في مرحلة ما من حياتهم فتجدهم يلعنون ويصرخون قائلين : "تبا للحظ أو تبا للنحس" عند مرورهم ببعض المواقف المحبطة. وإنما أعني أولئك الذين يتحول عندهم الشعور بالنحس إلى إيمان مطلق ويقين قاطع يدفعهم إلى هاوية الفشل، فتجدهم محبطين دوما لا يبذلون أي جهد لتطوير أنفسهم بحجة أنهم منحوسين وأن الحظ يجانبهم دوما.

    ماذا يقول الدين؟ .. وما رأي الفلاسفة؟

    فكرة أن يكون الإنسان منحوس أو محظوظ ترفضها الأديان رفضا قاطعا، فهي تنقض أهم مبدأين يقوم عليهما أي دين. الأول هو مبدأ القدرة المطلقة للخالق. فلو كانت الأمور تجري بالحظوظ والطوالع لخرب ناموس الكون منذ أمد بعيد ولاصطدمت المجرات والنجوم والكواكب ببعضها وانهار العالم الذي نعرفه مرة واحدة. أما المبدأ الثاني فيتعلق بعدالة وإنصاف الخالق، فلا يعقل أن يترك الله أمور الناس وأرزاقهم للحظ والنصيب. صحيح أن حظ الناس من هذه الدنيا يبدو غير متساو وغير عادل، فيولد بعضهم أغنياء والبعض الآخر في فقر مدقع .. بعضهم في غاية الوسامة والقوة والذكاء .. وآخرون في منتهى الدمامة والضعف والغباء .. يموت قسم منهم في عنفوان الشباب فيما يعيش قسم آخر حتى أرذل العمر .. كل هذه الأمور قد تبدو غير عادلة .. لكن ربما تكون وراءها حكمة لا ندركها نحن البشر، هذا ما يقوله بعض الفلاسفة "الشبعانين"، فمثلا لو كان جميع الناس أغنياء فمن إذن سيشغل المعامل والمصانع ومؤسسات الدولة؟ .. ومن سينظف الشوارع ويشذب الحدائق ويحمل البضائع؟ .. ومن سيسكن المقابر والمزابل والأحياء القديمة؟ .. ومن سيطوي أحلامه وآماله المؤجلة في آخر كل ليلة .. يضعها تحت وسادة نومه ثم يتمتم قائلا : "القناعة كنز لا يفنى"!.

    وإذا كانت الحكمة والعبرة من تباين حظوظ الناس من هذه الدنيا تبدو غير مفهومة، فأن تذبذب هذه الحظوظ قد يبدو أشد غموضا وإثارة للحيرة. فترى الرجل العظيم ذو الجاه والمقام والنفوذ .. تراه مريضا منسيا في آخر عمره يكاد لا يذكره أحد. وترى المرأة الحسناء التي كانت تكتحل برؤيتها العيون .. تراها وقد حولتها السنين إلى عجوز فقيرة تتجهم لرؤيتها الوجوه وتنصرف عنها الأنظار باحتقار .. هكذا هي الدنيا عزيزي القارئ .. في إقبال وأدبار .. لكن قل من يعتبر.

    نحس اليانصيب

    من حين لآخر يمتلئ بريدي الالكتروني برسائل تزعم بأني قد فزت بجائزة يانصيب قيمتها ملايين الدولارات، وهي بالطبع رسائل كاذبة ومزعجة غرضها الوحيد النصب والاحتيال، لذلك أنا لا أفتحها أبدا، لكني أتسأل مع نفسي أحيانا بينما أقوم بحذفها .. ماذا لو فزت فعلا بجائزة يانصيب مليونية؟ ماذا سأفعل بالمال وكيف سيغير ذلك حياتي؟. ولمعرفة الجواب على سؤالي رحت أبحث عن قصص أناس فازوا فعلا بمثل هذه الجوائز. وقد توقعت طبعا أن لا أقرأ سوى عن السعادة التي جلبها المال معه إلى حياة أولئك الفائزين المحظوظين .. لكني كنت مخطئا في توقعاتي، لا بل صرت أتمنى أن لا أفوز بأي جائزة أطلاقا، فأحيانا المال لا يجلب معه سوى النحس والتعاسة، وقد يقود أحيانا إلى الضياع والسجن والموت.


    مايكل كارول .. بدء فقيرا .. وعاد فقيرا ..
    مايكل كارول كان مجرد عامل بسيط انقلبت حياته رأسا على عقب عام 2002 حين فاز بجائزة يانصيب قدرها 9.7 مليون جنيه إسترليني. كان مبلغا طائلا لم يدر الشاب الفقير ماذا يفعل به، فوزع الكثير منه بسخاء على الأهل والأصدقاء، واشترى منزلا فخما وسيارات حديثة وخيول وكلاب .. ثم جره بعض أصدقاء السوء إلى تعاطي المخدرات، وتغيرت تصرفاته كليا، أصبح متعاليا وسريع الغضب، فهجرته زوجته وأخذت أبنتهما الوحيدة معها، وصار يقضي جل وقته مع العاهرات. ثم أستدرجه بعض المحتالين تحت تأثير النساء والمخدرات إلى مشاريع وهمية فاشلة .. وفي النهاية، بعد ثمان سنوات من الثروة والجاه، عاد مايكل إلى حيث بدأ، تبخرت أمواله كلها بعد أن فقد زوجته وأبنته وتنكر له الأهل والأصدقاء .. أصبح يعيش على المعونة الحكومية!.

    إيفلين آدمز لم تكن أفضل حظا من مايكل كارول، فرحلتها مع الملايين انتهت إلى النوم في قاطرة حقيرة على جانب الطريق. الغريب أن إيفلين لم تفز بجائزة يانصيب واحدة، بل باثنتين. فازت بجائزتها الأولى عام 1985 والثانية عام 1986، وكان مجموع المبلغ الذي حصلت عليه هو 5.4 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم بدل حياتها جذريا، فجأة صار الجميع يحترمونها ويتوددون إليها.. وفي ذلك تقول إيليفين : "الجميع أرادوا جزءا من مالي، الجميع مدوا أيديهم مطالبين بالمال. وللأسف أنا لم أتعلم أن أجيبهم بأبسط كلمة في اللغة الانجليزية .. لا .. لم أستطع قول لا .. كم أتمنى لو يعود الزمان لأقوم بذلك من جديد، كنت لأتصرف بصورة أذكى". لكن عقارب الساعة لا تعود للأسف إلى الوراء. وهكذا فأن تبذير إيفيلين، مصحوبا بولعها المفرط بالقمار، كل ذلك أدى إلى إفلاسها وضياع ثروتها بالكامل.


    وليم بوست .. مات من الحسرة ..
    وليم باد بوست ربح 16.2 مليون دولار عام 1998، وقد تمنى لاحقا لو أنه لم يشتري تلك البطاقة الرابحة أبدا لأنها كانت السبب في تدمير حياته. فشقيقه طمع بماله فأستأجر قاتلا محترفا لكي يقوم بقتله، وأحد أقرباءه أوهمه بعقد صفقة رابحة ثم سرق النقود وهرب، وجرجرته حبيبته السابقة إلى المحاكم طمعا في جزء من ثروته ونجحت في الحصول على مرادها. ثم ألقي القبض عليه وزج به في السجن لرفعه السلاح بوجه أحد الدائنين. وفي عام 2006 أعلن وليم إفلاسه ومات في نفس السنة وحيدا في مستشفى حكومي حقير .. قتلته الحسرة.

    لكن بيلي بوب هاريل الذي ربح 31 مليون دولار عام 1997 لم يمت بالحسرة، وإنما قام بإنهاء حياته بنفسه منتحرا بطلقة من مسدسه بعد أن دمر المال زواجه وكشف له زيف معدن أصدقاءه وأقاربه الذين لم يتركوا طريقة ولا حيلة إلا وطرقوها من أجل نهب أمواله.  


    جاك وايتيكر .. كان مليونيرا أصلا ..
    جاك وايتيكر لم يكن بحاجة إلى المال، كان مليونيرا أصلا، وكان يعيش برفاهية وسعادة مع أفراد أسرته حتى فاز عام 2002 بأكبر جائزة يانصيب في تاريخ الولايات المتحدة بلغت قيمتها 314 مليون دولار .. وليته لم يفعل .. فتلك الجائزة كانت وبالا على حياته، إذ تعرض للسرقة مرتين وكاد أن يفقد حياته في إحداهما. وتم رفع ثلاث دعاوي قضائية عليه لأسباب تتعلق بالمال، وهجرته زوجته، ومات صديق حفيدته في منزله عام 2004 على أثر تناول جرعة زائدة من المخدرات، وبعد ذلك بأشهر قليلة عثرت الشرطة على جثة حفيدته ملفوفة ببطانية ومدفونة في مزرعة أحد أصدقاءه. وفي عام 2007 قامت عصابة من اللصوص المحترفين بسرقة جميع أمواله من المصرف عبر تزوير 12 صكا سحبوا رصيده بواسطتها حتى آخر فلس. وليت المشاكل انتهت بفقدان ثروته كلها، ففي عام 2009 عثرت الشرطة على جثة أبنته – والدة حفيدته المقتولة - في إحدى المزارع القريبة من منزله، كانت مقتولة هي الأخرى!.


    لوسيان .. خسر كل شيء ..

    السبعيني لوسيان نولت كان يعيش بهدوء وسعادة من زوجته وأبنه قبل فوزه بجائزة يانصيب مقدارها 16.9 مليون دولار عام 2009، ومنذ تلك اللحظة بدأت مشاكله، فقد وقع الطلاق بينه وبين زوجته بعد عدة أشهر بسبب خلافات مالية، ونهب الجيران والأقارب ملايين الدولارات منه مستغلين كرمه وطيبته، مما تسبب في غضب أبنه الوحيد الذي رفع دعوى في المحكمة للحجر على أبيه بتهمة الخرف. فالابن لم يكن يريد شريكا له في مال الجائزة التي ربحها والده، أراد النقود له وحده، أشترى منزلا فخما لزوجته التي كانت تحلم أيام فقرها بامتلاك حوض سباحة كبير في منزلها، وبما أن المال قد أتى .. فلماذا لا يكون لديها حوض سباحة، فقد شيد الابن مسبحا كبيرا لزوجته من مال أبيه، لكن فرحتها بالمسبح لم تدم طويلا، فبعد عدة أسابيع عثروا عليها وهي جثة هامدة تطفو على سطح ماءه، لقد غرقت أثناء سباحتها في حوض السباحة الذي طالما حلمت وتاقت لامتلاكه! .. وليت الأمر انتهى عند هذا الحد، فبعد ثلاثة أسابيع على موتها قتل زوجها، أبن لوسيان، في حادث تصادم بالسيارة. وهكذا فقد وجد العجوز لوسيان نفسه وحيدا في النهاية .. ضاع المال .. وهجرته زوجته .. وقتل أبنه .. وغرقت زوجة أبنه!.

    0 التعليقات: